فصل: الشاهد الثامن والعشرون بعد الستمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.بقية أخبار الأرمن إلى الفتح أياس ثم فتح سيس وإنقراض أمرهم.

قد كنا قدمنا أخبار الأرمن إلى قتل ملكهم هيثوم على يد أيدغدي شحنة التتر ببلاد الروم سنة سبع واستقرار الملك بسيس لأخيه أو سير بن ليون وكان بينه وبين قزمان ملك التركمان مصاف سنة تسع عشرة فهزمه قزمان ولم يزل أوسير بن ليون ملكا عليهم إلى سنة اثنتين وسبعين فهلك ونصبوا للملك بعده ابنه ليون صغيرا ابن اثنتي عشرة سنة وكان الناصر قد طلب أوسير أن ينزل له عن القلاع التي تلي الشام فاتسع وجهز إليه عساكر الشام فاكتسحوا بلاده وخربوها وهلك أوسير على أثر ذلك ثم أمر الناصر كيبغا نائب حلب بغزو سيس فدخل إليها بالعساكر سنة ست وثلاثين واكتسح جهاتها وحصر قلعة النقير وافتتحها وأسر من الأرمن عدة يقال بلغوا ثلثمائة وبلغ خبرهم إلى النصارى باياس فثاروا بمن عندهم من المسلمين وأحرقوهم غضبا للأرمن لمشاركتهم في دين النصرانية ولم يثبت أن بعث إلى السلطان دمرداش بن جوبان شحنة المغل ببلاد الروم يعرفه بدخوله في الإسلام ويستنفر عساكره لجهاد نصارى الآرمن فأسعفه بذلك وجهز إليه عساكر الشام من دمشق وحلب وحماة سنة سبع وثلاثين ونازلوا مدينة أياس ففتحوها وخربوها ونجافلهم إلى الجبال فاتبعهم عساكر حلب وعادوا إلى بلادهم ثم سار سنة إحدى وستين بندمر الخوارزمي نائب حلب لغزو سيس ففتح أذنه وطرسوس والمصيصة ثم قلعتي كلال والجرايدة وسنباط كلا وتمرور وولى نائبين في أذنة وطرسوس وعاد إلى حلب وولى بعده على حلب عشقيم النصارى فسار سنة ست وسبعين وحصر سيس وقلعتها شهرين إلى أن نفدت أقواتهم وجهدهم الحصار فاستأمنوا ونزلوا على حكمه فخرج ملكهم النكفور وأمراؤه وعساكره إلى عشقيم فبعث بهم إلى مصر واستولى المسلمون على سيس وسائر قلاعها وانقرضت منها دولة الأرمن والبقاء لله وحده انتهى.

.الصلح مع ملوك التتر وصهر الناصر مع ملوك الشمال منهم.

كان للتتر دولتان مستفحلتان إحداهما بني هلاكو آخذ بغداد والمستولي على كرسي الإسلام بالعراق وأصارها هو وبنوه كرسيا لهم ولهم مع ذلك عراق العجم وفارس وخراسان وما وراء النهر ودولة بني دوشي خان بن جنكزخان بالشمال متصلة إلى خوارزم بالمشرق إلى القرم وحدود القسطنطينية بالجنوب وإلى أرض بلغار بالمغرب وكان بين الدولتين فتن وحروب كما تحدث بين الدول المتجاورة وكانت دولة الترك بمصر والشام مجاورة لدولة بني هلاكو وكان يطمعون في ملك الشام ويرددون الغزو إليه مرة بعد أخرى ويستميلون أولياءهم وأشياعهم من العرب والتركمان فيستظهرون بهم عليهم كما رأيت ذلك في أخبارهم وكانت بين ملوكهم من الجانبين وقائع متعددة وحروبهم فيها سجال وربما غلبوا من الفتنة بين دولة بني دوشي وبين بني هلاكو ولبعدهم عن فتنة بني دوشي خان لتوسط الممالك بين مملكتهم ومملكة مصر والشام فتقع لهم الصاغية إليهم وتتجدد بينهم المراسلة والمهاداة في كل وقت ويستحث ملك الترك ملك صراي من بني دوشي خان لفتنة بني هلاكو والأجلاب عليهم في خراسان وما إليها من حدود مملكتهم ليشغلوهم عن الشام ويأخذوا بحجرتهم عن النهوض إليه وما زال ذلك دأبهم من أول دولة الترك وكانت رغبة بني دوشي خان في ذلك أعظم يفتخرون به على بني هلاكو ولما ولي صراي أنبك من بني دوشي خان سنة ثلاث عشرة وكان نائبا ببلاد الروم قطلغمير وفدت عليه الرسل من مصر على العادة فعرض لهم قطلغمير بالصهر مع السلطان الناصر ببعض نساء ذلك البيت على شرطية الرغبة من السلطان في ظاهر الأمر والتمهل منهم في إمضاء ذلك وزعموا أن هذه عادة الملوك منهم ففعل السلطان ذلك وردد الرسل والهدايا أعواما ستة إلى أن استحكم ذلك بينهم وبعثوا إليه بمخطوبته طلبناش بنت طغاجي بن هند وابن بكر بن دوشي سنة عشرين مع كبير المغل وكان مقلدا يحمل على الأعناق ومعهم جماعة من أمرائهم وبرهان الدين أمام أزبك ومروا بالقسطنطينية فبالغ لشكري في كرامتهم يقال أنه أنفق عليهم ستين ألف دينار وركبوا البحر من هناك إلى الإسكندرية ثم ساروا بها إلى مصر محمولة على عجلة وراء ستور من الذهب والحرير يجرها كديش يقود اثنان من مواليها في مظهر عظيم من الوقار والتجلة ولما قاربوا مصر ركب للقائهم النائبان ارغون وبكتمر الساقي في العساكر وكريم الدين وكيل السلطان وأدخلت الخاتون إلى القصر واستدعى ثالث وصولها القضاة والفقهاء وسائر الناس على طبقاتهم إلى الجامع بالقلعة وحضر الرسل الوافدون عندهم بعد أن خلع عليهم وانعقد النكاح بين وكيل السلطان ووكيل أزبك وانفض ذلك المجمع وكان يوما مشهودا ووصلت رسل أبي سعيد صاحب بغداد والعراق سنة اثنتين وعشرين وفيهم قاضي توزير يسألون الصلح وانتظام الكلمة واجتماع اليد على إقامة معالم الإسلام من الحج وإصلاح السابلة وجهاد العدو فأجاب السلطان إلى ذلك وبعث سيف الدين أيتمش المحمدي لأحكام العقد معهم وامتضاء إيمانهم فتوجهه لذلك بهدية سنية ثلاث وعشرين ومعه رسل أبي سعيد ومعه جوبان لمثل ذلك فتم ذلك وانعقد بينهم وقد كانت قبل ذلك تجددت الفتنة بين أبي سعيد وصاحب صراي نفرة من أزبك صاحب صراي من تغلب جوبان على أبي سعيد وفتكه في المغل وكانت بين جوبان وبين سبول صاحب خوارزم وما وراء النهر فتنة ظهر فيها أزبك وأمده بالعساكر فاستولى أزبك على أكثر بلاد خراسان وطلب من الناصر بعد الإلتحام بالصهر المظاهرة على أبي سعيد وجوبان فأجابه إلى ذلك ثم بعث إليه أبو سعيد في الصلح كما قلناه فآثره وعقد له وبلغ الخبر إلى أزبك ورسل الناصر عنده فأغلظ في القول وبعث بالعتاب واعتذر له الناصر بأنهم إنما دعوه لإقامة شعائر الإسلام ولا يسع التخلف عن ذلك فقبل ثم وقعت بينه وبين أبي سعيد مراوضة في الصلح بعد أن استرد جوبان ما ملكه أزبك من خراسان فتوادع كل هؤلاء الملوك واصطلحوا ووضعوا أوزار الحرب حينا من الدهر إلى أن تقلبت الأحوال وتبدلت الأمور والله مقلب الليل والنهار.